رسائل إخوان الصفى

مجلة ثقافية شاملة تهتم بالعلوم عامة والفنون والرياضة علم النفس والآداب من علوم إجتماعية دينية و تاريخية بالإضافة إلئ قصائد شعرية وموشحات أندلسية للغناء الشعري موجهة للقارئ المهتم بالثقافة العربية و الإسلامية

الإقتصاد الإسلامي

  




كثيرا ما نسمع عن مصطلح الإقتصاد الإسلامي وكأنه إقتصاد وليد العصر الراهن بيد ان الاقتصاد الإسلامي قديم قدم الإسلام نفسه .
مرت البشرية بعدة مراحل لتطور فكرة الاقتصاد بدأ باليونانيين euconomosالذين وضعوا كلمة إقتصاد
أو ما عرف في اللغات القديمة مثل القنعانية بكلمةأقنوم
والتي تعني الأقانيم أو الموازين 
مرورا بإبن خلدون الذي تطرق في كتابه المقدمة للتجارة وأسس البيع والشراء والصكوك والمعاهدات التجارية مرورا بالاقتصادي البرتغالي دافيد ريكاردو الذي عاش في القرن السادس عشر والإنجليزي ادم سميث الى كارل ماركس الذي اسس للإقتصاد الإشتراكي ...

دافيد ريكاردو
كارل ماركس

الإقتصاد الرأسمالي



وقد جربت البشرية  الإقتصاد الرأسمالي الحر الذي انتهى بكارثة الكساد الكبير في الولايات الموحدة الأمريكية عام 1929 بسبب كثرة الإستدانة وعدم تحكم الدولة في مراقبة البورصة العالمية بنيويورك مما أدى الى عرض الأسهم المشتراة بالقروض للبيع في يوم واحد عرف بالخميس الاسود فإنهارت البورصة بسبب كثرة العرض وعجز المقترضين عن السداد وانهار الاقتصاد الرأسمالي برمته.



مما حذا بالحكومة الامريكية إلى نهج الإقتصاد الموجه أي الرأسمالية التي تراقبها الدولة وتتحكم في طلبات العرض والشراء والإقتراض وأحيانا تتدخل الدولة نفسها في العرض والطلب كمستثمر.مما يعني ان أمريكا قامت بتعديلات إشتراكية على النظام الرأسمالي ولكن بتحفظ.



 الإقتصاد الإشتراكي :


الاقتصاد الاشتراكي بسيط المفهوم حيث ان الدولة تتحكم في كل شيء وتملك كل شيء والمواطن ليس سوى مستخدم او عامل يعمل لدى الدولة ولا يملك حتى مسكنه الذي اعطته اياه الدولة .
في ظل هذا القمع المطلق وكبح الحرية الفردية في الإنتاج والتصنيع والتجارة ماتت قيم الإبداع الفكري والصناعي والتجاري ...في الاتحاد السوفييتي بسبب توجه الدولة الى الصناعات الثقيلة والاسلحة بينما المواطن لا يملك حتى فرشاة أسنان .او لعبة لطفله مما عجل بإنهيار تجربة الاقتصاد الإشتركي الذي يعني ان المواطنين شركاء في كل شيء بينما العكس كان هو الواقع حيث المواطن البسيط يعيش الفقر الاسود والقادة الشيوعيون يتنعمون في الملذات ومباهج الحياة الباذخة.



هذا كان من بين الاسباب التي عجلت بسقوط الاتحاد السوفييتي وانسلاخ الصين عن مبادئ الشيوعية وانفتاحها مع روسيا على إقتصاد السوق وحرية العمل والفكر والإبداع وهو ما يعني التوجه المتحفظ نحو الرأسمالية.





الإقتصاد الإسلامي:


في الحقيقية ان الاقتصاد الاسلامي أقدم من الاشتراكية والرأسمالية ويمكن ان نقول انه أبو الرأسمالية والإشتراكية معا لأن الإقتصاد الإسلامي منذ بدأ الاسلام تبنى مفاهيم الرأسمالية وحرية التجارة عبر طريق الحرير المار عبر اسيا الوسطى الى الصين او من خلال رحلات الملاحين عبر بحر العرب والهند وجزر الوقواق وجاوة اي جنوب شرق اسيا او مايعرف اليوم باندونيسييا ماليزيا تايلاند الفلبين...دون ان نغفل عن التجارة الاسلامية مع بلاد السودان الافريقية او جنوب اوروبا كإيطاليا البندقية جنوة...




هذه الحرية في التجارة الاسلامية كانت لها أسس دينية بحتة من القران الذي نص على كتابة الصكوك والعهود وإشهاد الشهود عند التوثيق والتبايع
يا أيها لذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا ياب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فإن كان كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وإمرأتان ممن ترضون من الشهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا الى أجله ذالكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابو إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم وإتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم (282)البقرة
 او تقفيا بالحديث النبوي :علموا اولادكم التجارة ولا تعلموهم الإجارة
بينما بزغت فكرة الإشتراكية في الإسلام من خلال الحديث النبوي :الناس شركاء في ثلاث.الماء والنار والكلأ.
مما يعني ان المسلمين يشتركون في الإنتفاع من الأبار والأنهار والبحار والغابات للحطب والوقود والصناعات والكلأ اي مراعي القطعان من الغنم والبقر والابل.
فلا يحق لاحد ان يدعي إمتلاك الغابة او النهر اوالبحر او المراعي المشاع.






ليتطور هذا المفهوم اليوم الى شراكة المسلمين او الأمة او الشعب في الثروة القومية للبلد من بحار وغابات وسدود ونفط وثروات معدنية وطاقية...كما تطورت طرق الإستثمار في الإقتصاد الإسلامي إلى ثلاثة أصول رئيسية وهي:
الشراكة:وتعني تشارك شخصين على الأقل في الأصول المالية والعمل بالشراكة أو التفويض وإقتسام الأرباح والخسائر على عدد المشتركين.
المرابحة:وتعني أن يدخل شخص برأس المال فقط دون مجهود العمل ويشترك مع شخص أو أكثر يعملون بمجهودهم العملي والتجاري ويقتسمون الأرباح مع صاحب رأس المال الذي لايعمل أبدا فقط يجني الأرباح.
الإجارة: وهي النظام السائد إلى اليوم حيث يعمل الشخص أجير مقابل أجرة يومية أو شهرية بمجهوده العملي سواء في الفلاحة أو الصناعة أو التجارة دون أن يشارك في الأرباح أو الأصول.
كما أن الإقتصاد الإسلامي طور وظيفة المراقب أو المحتسب:حيث أصبح لكل مجموعة من الحرفيين المختصين في صناعة محددة أو تجارة أو خدمات محددة شخص منتخب منهم يسمى أمين الحرفة أو المحتسب الذي يقوم بمراقبة المخالفات ومعاقبة المخالفين بقوة القانون والعرف الشرعي .كما يقوم بحل وفض النزاعات والخصومات بين الحرفيين والزبائن بالطرق الشرعية المتوارثة عرفيا وقانونيا من الدين


بيد أن الإقتصاد الإسلامي وجد تعارضا مع الإقتصاد العالمي الذي يتبنى الفائدة على القروض بينما الاسلام يحرم الربا ويبيح المرابحة اي إقراض رأس المال وإمتلاكه والمشاركة في الأرباح الناتجة عن تحريك رأس المال هذا من طرف الشريك كما تعارض الاقتصاد الإسلامي مع الاقتصاد العالمي في تبني مفهوم التضخم الذي بعض سماته ارتفاع سعر المعيشة والعقار ...بعد سنين بينما يجب على القرض القديم ان يبقى ثابت القيمة بدون فوائد مما يجعل قيمة هذا القرض بعد اعوام تنقص كثيرا ولا تكفي لسداد ثمن سيارة بينما كانت قيمته قبل عقود كافية لشراء مصنع كامل 
يتعلل منظروا الاقتصاد الاسلامي بأن الفوائد الربوية هي سبب التضخم بينما يمكن ان يحدث التضخم فقط بسبب النمو الديموغرافي او ينقص التضخم والإنكماش بنقصان النمو الديموغرافي بسبب العرض والطلب على العقار مثلا في الدول ذات الكثافة السكانية المرتفعة او المنخفضة كما يمكن ان يحدث التضخم بسبب ارتفاع نسبة الإنتاج وتراكم الأرباح او بسبب وفرة الثروات القومية وأكتشاف المزيد منها 
نقطة مهمة يجب أن يشار إليها وهي أن رأس المال العالمي الحقيقي ثابت ومستقر حتى لو تم إيجاد ثروات معدنية وطاقية جديدة .لماذا؟
لأن رأس المال الحقيقي هو الناتج عن الأعمال الفلاحية والزراعية والإنتاجية .وبما أن ناتج رأس المال هذا موجه للإستهلاك الفوري فإن قيمة هذا الرأسمال تصبح صفر بمجرد دفع ثمن المنتج وإستهلاكه دوليا وبالتالي لا يوجد ولا يمكن أن يوجد تراكم لرأس المال طالما أنه مستهلك عاجلا أم آجلا.
بينما رأس المال الغير قابل للإستهلاك نسبيا مثل الذهب والفضة والأحجار الكريمة .لا تشكل رأسمال حقيقي بل هي فقط ضمانات إقتصادية للعملة الورقية وهي نادرة وقليلة جدا وتقريبا ثابتة النسبة وتدور بين مجموعة قليلة من المجموعات المالية والأفراد.
لهذا نستنتج أن رأس المال ثابت في العالم ومستقر وغير متراكم وسريع الإستهلاك .بينما النمو الديموغرافي متسارع ومتزايد ومرتفع.مما يخلق ظرفية من الطلب المستمر المتزايد عى المنتوج بينما العرض  مستقر .
هذا الطلب المتزايد بسبب النمو الديموغرافي عبر السنوات هو سبب رئيسي لإرتفاع قيمة المنتوج وثبات قيمة العملة النقدية أو رأس المال.مما يسبب التضخم المالي وإنهيار العملات والإقتصاد بأكمله.ويتحتم عندها تخصيص الفائدة على القروض لمواكبة إرتفاع قيمة المنتوج كل سنة بنسبة متزايدة كإرتفاع قيمة العقار مثلا.
المهم ان التضخم أمر واقع وقد حدث في تاريخ الإسلام 
الإنكماش المعاكس للتضخم وانخفضت قيمة الذهب لادنى مرتبة بسبب توافد الحجاج المسلمين المكتنزين لذهب بلاد السودان والحبشة الغنية بالذهب والفضة مما أدى لإرتفاع الأسعار وضعف قيمة العملة الذهبية
أما فيما يخص البنوك الإسلامية المعاصرة التي تدعي أنها تقرض الناس بدون فوائد أو تشتري لتبيع للمستفيد مقابل الربح على المدى البعيد. فالحقيقة أن هذه البنوك لا علاقة لها بالإقتصاد الإسلامي لا من قريب ولا من بعيد بل هي مجرد بنك ربوي عادي يغلف الفائدة والربا بإسم الربح مقابل البيع على المدى البعيد لتغطية التضخم الذي هم متأكدون من حدوثه .بل أحيانا كثيرة جدا تجد البنوك الربوية العصرية أكثر إنسانية ومرونة من البنوك الإسلامية الدخيلة على عالم المال والإستثمار. ومن هنا يبدو جليا أن الفائدة لا مفر منها خصوصا إذا كان المقترض مضطرا لأخذ القرض ولم يجد من يقرضه بدون فائدة.ولا أوضح من مثال عن هذا غير الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الذي يعلم جميع المسلمين أنه مات ودرعه مرهونة عند يهودي .والجميع يعلم أن اليهودي عموما لا يقرض المال بالرهن إلا مقابل فائدة ربوية.ومن هنا نفهم أن صاحب الرهن يأخذ فائدة ربوية حرام بينما المقترض .والراهن لمتاعه مضطر ومكره لا إثم عليه.لكن الحقيقة في المثال السابق هي ان الراهن اخذ الدرع من الرسول محمد بنصف قيمتهالحقيقية ومع ذالك هي كل ما يحتاجه الرسول محمد.وهنا فاليهودي الراهن أمام إحتمالين.الأول وهو أن محمد سيسدد القرض وبالتالي يجب أن يسدد مع القرض فائدة لليهودي ليستمر في الربح والإقراض.الإحتمال الثاني وهو أن محمد لن يسدد القرض وهنا سيأخذ اليهودي الدرع ويبيعه بثمن القرض أو أكثر ويسترجع ماله.وهذه المعاملة المالية تبدوا إنسانية ومنفعةللطرفين.عكس الربا التي حرمها القران والتي تقتضي الحجز على الأملاك والأشخاص كعبيد في حال عدم سداد القرض
Slaveومنه نرى كلمة قرض سلف عبيد
ونختم بصورة موضحة عن البنوك الإسلامية الحقيقية التي لا توجد بعد .وهي البنوك التي تقرض الناس بدون فائدة مقابل رهن عقار أو متاع ...حيث إذا تعذر على المقترض دفع المال تصادر البنك الرهن الذي هو ضمانة وتبيعه لتحصيل أموالها وترد الباقي من الثمن الأصلي لصاحبه الأصلي.أو تقوم البنك بشراء عقار للمقترض بدون فائدة بضمان عقد عمله وإن تعذر عليه دفع الأقساط تصاد البنك العقار وتبيعه بنفس الطريقة.بينما تستفيد البنك من إدخار أموال الزبائن مقابل ربح رمزي.أو تقوم البنك بعمليات تجارية وإستثمارية مضمونة مع الشركاء الأخرين عن طريق المرابحة والشراكة والإجارة من أجل الربح المادي وتمويل المصاريف 

معالجة التضخم وتقليصه:
للقضاء على التضحم هناك عدة طرق .لكن أنسب طريقة بالنسبة للدول الفقيرة والنامية هي خلق أكبر عدد من فرص الشغل الممكنة من بستنة المدن وعمال النظافة والتعليم والصحة والأمن .إلى عمال ومهندسي طرق وقناطر وجميع البنيات التحتية الضرورية.المهم هو خلق فرص شغل تحتاج للمال.
هذه الطبقات العاملة ستحتاج الى رواتب شهرية ضرورية ومدروسة حسب القدرة الإنتاجية للدولة.
هذه الرواتب ستمتص السيولة المالية الفائضة التي تنقص من قيمتها في السوق الدولية.
المشكل هنا هو أن هذه الطبقة الشغيلة ستحتاج إلى مواد إستهلاكية غير متوفرة وإن توفرت فمصادر إنتاجها غير متوفرة.
وبالتالي فالدولة مضطرة لطلب قروض من البنك الدولي أو الدول الصديقة لتمويل الفلاحة التي تدعم السوق الداخلي وتصدر للخارج  لجلب العملة الصعبةوالصناعة مثلها مثل الفلاحة والسياحة التي ستوفر عملة صعبة سهلة ومستدامة مشروطة بالجودة والخدمات والأمن 
كل هذه العوامل الإقتصادية ستدعم الطبقات العاملة التي خلقتها الدولة للإستهلاك والعمل الذي يستهلك فائض العملة الذي خلق أزمة التضخم.
وإن كان التضخم عالميا فالحل الوحيد هو كل ماذكرناه سابقا مع تنشيط حركة المبادلات التجارية ولو بالمقايضة دون عملة ورقية أو رصيد من الذهب مع تجشيع السياحة الداخلية والخارجية عبر تنشيط البعثات العلمية والتقنية والتجارية والفنية والدينية والأمنية والعسكرية والوفود السياسية كروافد مؤقتة لترويج السياحة الترفيهية والأستكشافية.





المقال السابق المقال التالي