رسائل إخوان الصفى

مجلة ثقافية شاملة تهتم بالعلوم عامة والفنون والرياضة علم النفس والآداب من علوم إجتماعية دينية و تاريخية بالإضافة إلئ قصائد شعرية وموشحات أندلسية للغناء الشعري موجهة للقارئ المهتم بالثقافة العربية و الإسلامية

فقه المقاصد والمنافع

                                               



الحلال والحرام والبدعة


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات.
المسائل التي حرمها الله واضحة جلية من القران والسنة والإجتهاد .لكن تبقى أمور يصعب الحسم في حلها أو حرمتها.مثل بعض اجزاء الخنزير !!مع ان الخنزير محرم بالنص القرآني الواضح
 (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ...)
لكن اغلب المسلمين الذين يعانون من مرض السكري الذي يصيب البنكرياس لا يعلمون ان حقن الأنسولين التي يحقنون بها أنفسهم لتخفيض السكر في الدم هي أنسولين مستخرج من بنكرياس خنازير المزرعة.




لا أهدف إطلاقا الى تحليل لحم الخنزير وليس هذا المقصد ولكن اريد ان اقول ان بعض الحرام ان تعلقت المسألة بالحياة والموت قد يصبح حلالا .وقد اجاز علماء المغرب والاندلس قاعدة فقهية تقول ان الضرورات تبيح المحظورات بينما علماء المشرق يشددون ان الله طيب لا يقبل الا طيبا وان الله ما جعل شفاء من حرام.
الكحول مستخلص من الخمر والخمر والكحول حرام بلا جدال .

لكن الكحول مستخلص طبي ضروري جدا للمستشفيات لعلاج الجروح والدماميل وتعقيم الادوات الطبية ونرى ان نقاش حرمة استعمال الكحول تم إلغاؤها في هذه الحالة وحالة المسحضرات العطرية والتجميلية والمختبرات الكيميائية.

المسك الطيب او مسك دم الغزال يستخلص من دم نوع من الغزال بآسيا الوسطى والصين رائحته زكية عطرة كان رائجا في الجاهلية والإسلام وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتطيب به لقوله:حبب لي من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة.
دم الغزال نجس والدم عموما حرام لكننا نرى انه في هذه الحالة اصبح مباحا وحلالا بل مكرمة.





رؤيتي هنا ليست لتحليل ما حرم الله ولكن الدعوة الى تجديد الفكر الديني والإجتهاد والقياس ومنظور المقاصد النفعية.

اخر مثال اذكره هو الخمر الذي هو محرم بالنص القرآني مع جدلية معنى الآية : يا أيها الذين امنوا انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون،
عمل الشيطان حرام بين والخمر من عمل الشيطان لانها تذهب العقل وتسبب مشاكل اخلاقية واجتماعية لا حصر لها.
لكن !
تمكن العلماء من إستخلاص خمرة خالية من الكحول بنسبة0%كحول وهذا الاخير هو المسبب للصداع وذهاب العقل والوعي وامراض الكلى والسرطان وامراض الدم
الخمر الخالية من الكحول ليست لها اي فوائذ غذائية ولكنها ترفع من حرارة الجسم بفاعلية كبيرة ويستهلكها سكان المناطق الباردة مثل كندا شمال اوروبا وروسيا بل حتى بعض الدول الاسلامية في اسيا الوسطى وجنوب روسيا كاذربيجان وكازاخستان وطادجكستان ولا يعتبرونها حراما بل يتسامرون بها كالشاي.
فهل في هذه الحالة قد يجتهد علماء الدين بتحريم الخمرالكحولية  واباحة الخالية من الكحول خصوصا وان وصفها يشبه وصف خمر الجنة تلك الخمر التي لا يصدعون عنها ولا  ينزفون وهي لذة للشاربين حسب مقتبس النص القراني.مذكرين علماء الدين ان مشروب القهوة كان محرما بإجماع العلماء وحتى مشروب الكوكا
بعيدا عن الحلال والحرام نوعا ما .نتحدث الآن عن زكاة الفطر .حيث أن أغلب العلماء أجازوا إخراجها بالقيمة المالية للقوت المشهور للبلد كثمن القمح او التمر او التين الجاف...بينما تشدد علماء آخرون وقالوا انه لا بد أن تكون الزكاة بالقوت نفسه وليس بالمال.وهذا تشدد متطرف رهيب لأن إحتياجات الناس تختلف فمنهم من يحتاج المال لشراء ملابس العيد للأولاد او   العلاج اوتسديد دين مستحق او لشراء كتب المدرسة...وبالتالي فما نفع الزكاة بالقوت هنا؟ولنفرض أنه سيأخذ الزكاة من القوت ثم يبيعه في السوق ليحصل ثمنه ويشتري به حاجياته فإن جميع الناس سيعرضون الزكوات المحصل عليها بالأقوات ويفيض السوق وتنخفض أثمنة الأقوات في السوق وتكون الفائدة المالية ضعيفة لمستحق الزكاة.
بينما الأولى والأجدار مراقبة الحالة المعيشية للبلد.فإن كانت الأقوات متوفرة ولا مجاعة تخرج زكاة الفطر بالمال لشراء الأغراض الأخرى
وإن كان المال متوفى والأقوات شحيحة غير متوفرة فإنه في هذه الحالة لا قيمة للمال ويتوجب حينها إخراج زكاة الفطر من قوت أهل البلد بالضرورة لتفادي المجاعة.

الفرق بين البدعة والجمود الفكري والتجديد الفكري النافع


نختم بالبدعة حيث إنتشر هذا المصطلح كثيرا في وقتنا الراهن بحيث أن كل عمل لم يقم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو بدعة والبدعة ضلالة والضلالة تقود الى النار.غير ان الفقهاء يتغافلون عن ان البدعة ليست كلها حرام فالبدعة من الإبداع اي الجديد في كل علم وفن وحرفة ومنه ماقد يكون حراما ومنه ماقد يكون حلالا وينفع الناس والواضح الجلي ان البدعة النافعة والتي لا ضرر مادي أو أخلاقي فيها فهي بدعة حسنة تصبح سنة حسنة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ومن سن سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها.
مثلا لا يمكن ان نقول ان زراعة الشعر أو الأسنان بدعة حرام لأن فوائدها عظيمة خصوصا للمرأة بينما الوشوم الشيطانية أو الحلقة في الشفتين أو الحاجبين فليست من الجمال في شيء بل هي من تغيير خلق الله وهذا كمثال مقارن فقط بين البدعة الحسنة والبدعة السيئة .وأنه ليس كل فعل لم يقم به رسول الله يعتبر حراما بل ينظر الى فوائده وأضراره وقيمته الأخلاقية قبل كل شيء ولو ان رسول الله عاش اليوم بيننا لربما كان يركب السيارة ويستعمل الحاسوب ويشرب الشاي والقهوة ...وهذه كلها أمور لم تكن متوفرة في زمنه ولم يقم بها صلى الله عليه وسلم وهذا لا يحرمها على الإطلاق.

 


 
المقال السابق المقال التالي